أبواق كثيرة تهدّد سمعة لبنان... والخارجيّة في "كوما" أم متواطئة؟تعتمد حكومات العالم على الجسم الدبلوماسي الذي يمثّلها في كل محافل الدول من خلال أعضاء السّلك الّذين يعرفون كيف يمثّلون بلدهم بطريقة مثاليّة وراقية تأتي بالنفع المادي والثقافي، وتنسج علاقاتها السياسية وفق مبدأ لتعزيز التعاون والتقارب بين بلدانها. هذا ما نراه في كل دول العالم، المتقدمة منها والنامية. لكن في لبنان تختلف الصورة تماماً. خلال السنوات الماضية، شاهدنا مجموعات لبنانية مقيمة في الولايات المتحدة، تدخل المحافل الدوليّة وأماكن القرارات لتلقي محاضرات عن الفساد والظلم في لبنان وعن سياسة الدولة اللبنانيّة التي لا تعجبهم. البعض منها يدخل هذه المنصّات تحت إسم "الجمعيات الثقافية"، وهم أكثر ما يستطيعون فعله للثقافة والتراث اللبناني هو حفل عشاء على وقع "راجع يتعمّر لبنان"، وعندما يدخلون الأروقة الدوليّة، لا يقابلون أعلى من موظفٍ إداري من رتبة سكرتير، لأنّ السياسة الدوليّة مُناطة "فقط" بجسم مجلس الأمن الدولي، الذي لا يستطيع خرقه أحد إلا من رتبة وزير خارجيّة وما فوق، او صحافي في الأمم المتحدة.
ويغوص "الشاطرون" في سرد قصص الفساد والسرقات في لبنان، وينشرون غسيل الوطن على حبال "اللي بيعرف واللي ما بيعرف"، وكأنه تنقصنا دعاية بشعة حول ظروف البلد المُنهار، والتي لا توصل الا الى مزيد من الشفقة، هذا لو...
أما من يزورون مراراً وتكراراً مراكز القرار ليعبّروا عن سخطهم على سياسة الحكّام اللبنانيين، يمكننا الإعتراف لهم بأنّهم ربما محقّون في رأيهم، لأنّ الدستور اللبناني أجاز لهم الحقّ في التعبير عن الرأي، ولكنهم لا يدرون أنّهم "مجرّد أداة لا تقدّم ولا تؤخّر" في برامج الإدارات الدوليّة المقرِّرة للدول النامية، بل أنهم ليسوا أكثر من "أداة وشاية" على أبناء بلدهم وأبناء طائفتهم تحديداً. ففي كل مرة يدخلون فيها الى هذه الأماكن، يتركون وراءهم تردّدات بشعة تُطلق عليهم عند الخروج... لكنهم لا يدرون.
ما يزيد الطين بلّة، هي المحطّات التلفزيونيّة اللبنانيّة التي تُتحفنا بمقابلات "مُفبركة في أكثر الأحيان "مع شخصيات لبنانية-أميركية، تبحث عن ضوء، مغمورة اجتماعياً، وبالكاد ناجحة مهنياً، تنتحل صفة مستشار في الإدارة الأميركية او حتى الرئيس الأميركي بنفسه، علماً ان الأميركيين من "تشبيحاتهم" برّاء. والبعض الآخر يخبرنا عن شطارته في إيصال صورة وحالة لبنان الى مراكز القرار، وعن التعاون مع جمعية
American task force for Lebanon ATFLومع الجامعة الثقافية في العالم، وإذا بحثنا عن نشاطاتهم، لا نجد سوى معونات غذائيّة لاتتعدّى عشرات الحصص، وإذا استقصينا في أقوالهم وجدنا ان كل من ذكروا التعاون معهم لا يعرفونهم.
وللتوضيح، عندما بحثنا بدقة حول التحركات اللبنانية الجدّية في مساعدة لبنان للنهوض من الإنهيار، لم نجد الا مجموعةAmerican task force for Lebanonالتي تتحرّك بالتعاون مع الحكومات اللبنانية والأميركية، بكِبَرٍ ورقيّ، مع تفهّم للحالة والتكوين السياسي اللبناني، فهي أكثر ما استطاعت فعله في الفترة الأخيرة، جمعُ مواد طبيّة بقيمة 35 مليون دولار، أُرسلت الى مستشفيات بيروت بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب 2020، واليوم تقوم بجمع التبرعات لدعم مرشحي الكونغرس لدورة 2022، (اللبنانيو الأصل)، والمرشحين الأميركيين الذين يكنّون المودّة للبنان، وهذا الدعم الّذي تعمل عليه الجمعيّة، ربما سيقطف ثماره لبنان في السنوات المقبلة.
هذا الإنفلات في تمثيل لبنان وإيصال صورة الوضع اللبناني لمن يرغب ولمن يشاء، بشكل لم تشهده دولة في العالم، لم يكن يحصل ربما لولا الفوضى أيضاً في الأداء الحكومي اللبناني، ففي السنوات الماضية شاهدنا زيارات رسمية الى الولايات المتحدة الأميركيّة لوزراء تختصّ وزارتهم بالشأن الحياتي، فيصلون للقاء القادة الأمميّين والأميركيين، دون مشاورة وزير الخارجيّة اللبنانيّة أو حتّى رئيس الحكومة، لمناقشة الوضع السياسي اللبناني، يعني على قاعدة "حارة كل مين إيدو إلو" فأين كان رئيس الحكومة من هذه الفوضى؟!.
ويفيد وزير لبناني سابق تمنّى عدم الكشف عن اسمه عبر "النشرة" حول هذا الموضوع قائلاً" ان هناك أمر إسمه ضرب مكانة الدولة، يصل أحياناً الى حدّ تهديد استقرار البلد وتعكير صفو العلاقة بين عناصر الأمّة، والأخطر منه هو تهديد العلاقات الخارجية للبنان... وهذه الأمور تعتبر جرائم موصوفة منصوص عليها في قانون العقوبات، وبالتالي يحاسب عليها القانون. وهنا دور البعثات الدبلوماسيّة في الخارج، التي عليها ان تبادر الى مراسلة وزارة الخارجيّة ولفت نظرها على هذه الممارسات، والخارجيّة بدورها تكتب الى النّيابة العامة التمييزيّة خاصة إذا كانوا مواطنين لبنانيين، فيُلاحقون فور دخولهم الى لبنان، وفي حال كانوا أجانب، فممكن ملاحقتهم في بلدانهم وفق قوانينها.
ويبقى السؤال، متى سيطبّق القانون في لبنان حتّى على بعض "الفلتانين" من النواب الوزراء، ومِمَّنننتظر للاشارة الى هذه الممارسات ووضع حدّ لها وملاحقة المخالفين من النواب والوزراء وبعض الشخصيّات السيّاسيّة، خصوصًا من رتّب هذه المواعيد لهؤلاء دون معرفة وزير الخارجيّة او رئيس الحكومة؟.